موضوع: القرد والنجار قصة لا تفوتكم بس اعرف انكم مشغولون لكن شوفو الأحد ديسمبر 12, 2010 1:14 pm
مثل القرد والنجار
قالَ كَليلَةُ: زَعَموا أنَّ قِردًا رأي نَجَّارًا يَشُقُّ خَشَبَةً وهو راكِبٌ عليها، وكلَّما شَقَّ منها ذِراعًا أدخَلَ فيها وَتِدًا، فَوَقَفَ يَنظُرُ إليه وقد أعجَبَهُ ذلك. ثم إنَّ النَّجَّارَ ذَهَبَ لبعضِ شأنِهِ فَقامَ القِرْدُ وتَكَلَّفَ ما ليسَ من شأنِهِ فَرَكِبَ الخَشَبَةَ وجَعَلَ وجهَهُ قِبَلَ الوَتِدِ وظَهرَهُ قِبَلَ طَرَفِ الخشَبةِ فَتَدَلَّي ذَنَبُهُ في الشَّقِّ ونَزَعَ الوَتِدَ فلزِمَ الشَّقُّ عليه فكادَ يُغشي عليه مِنَ الألَمِ. ثم إنَّ النَّجَّارَ وافاهُ فأصابَهُ علي تلك الحالَةِ فأقبَلَ عليه يَضرِبُهُ. فكانَ ما لَقِيَ مِنَ النَّجَّارِ مِنَ الضَّربِ أشَدَّ ممَّا أصابَهُ مِنَ الخشَبةِ.
قالَ دِمنَةُ: قد سَمِعتُ ما ذَكَرتَ. وليسَ كلُّ مَنْ يـَدنو مِنَ الملوكِ يَقدِرُ علي صُحبَتِهِمْ ويَفوزُ بقُربِهِمْ. ولكن اعلَمْ أنَّ كلَّ مَنْ يَدنو منهم ليسَ يَدنو منهم لبطنِهِ، فإنَّ البطنَ يُحشي بكلِّ شيءٍ، وإنَّما يَدنو منهم ليَسُرَّ الصَّديقَ ويَكبِتَ العَدُوَّ. وإنَّ مِنَ الناسِ مَن لا مُروءةَ له وهُمُ الذينَ يَفرَحونَ بالقليلِ ويَرضَونَ بالدُّونِ كالكَلبِ الذي يُصيبُ عَظمًا يابِسًا فَيَفرَحُ به. وأمَّا أهلُ الفَضلِ والمُروءةِ فلا يُقنِعُهُمْ القليلُ ولا يَرضَونَ به دونَ أن تَسمُوَ بهم نُفوسُهُمْ إلي ما هم أهلٌ له وهو أيضًا لهم أهلٌ. كالأسَدِ الذي يَفتَرِسُ الأرنَبَ فإذا رأي البعيرَ تَرَكَها وطَلَبَ البَعيرَ. ألا تري أنَّ الكلبَ يُبَصبِصُ بذنبِهِ حتي تَرمِيَ له الكِسرَةَ مِنَ الخُبزِ فَيَفرَحُ بها وتُقنِعُهُ منك، وأنَّ الفيلَ المُعتَرَفَ بفضلِهِ وقُوَّتِهِ إذا قُدِّمَ إليه عَلَفُهُ لا يَعتَلِفُهُ حتي يُمسَحَ وجهُهُ ويَتَمَلَّقَ له? فَمَنْ عاشَ ذا مالٍ وكانَ ذا فَضلٍ وإفضالٍ علي نفسِهِ وأهلِهِ وإخوانِهِ غيرَ خامِلِ المنزلَةِ فهو وإن قَلَّ عُمرُهُ طويلُ العمرِ. ومَن كانَ في عَيشِهِ ضيقٌ وقِلَّةٌ وإمساكٌ علي نفسِهِ وذَويهِ وكانَ خامِلَ المنزلَةِ فالمَقبورُ أحيا منه. ومَن عَمِلَ لبطنِهِ وشهواتِهِ وقَنِعَ وتَرَكَ ما سِوي ذلك عُدَّ مِنَ البَهائِمِ
ثم إنَّ دِمنَةَ انطلَقَ حتي دَخَلَ علي الأسَدِ فَعَفَّرَ وجهَهُ بين يديهِ وسلَّمَ عليه. فقالَ الأسَدُ لبعضِ جُلَسائِهِ: مَن هذا? فقالَ: هذا دِمنَةُ بنُ سَليطٍ. قالَ: قد كنتُ أعرِفُ أباهُ. ثم سألَهُ: أين تكونُ? قالَ: لم أزَلْ ببابِ الملِكِ مُرابِطًا داعيًا له بالنَّصرِ ودَوامِ البقاءِ، رَجاءَ أن يَحضُرَ أمرٌ فأُعينَ الملِكَ فيه بنفسي ورأيي. فإنَّ أبوابَ الملوكِ تكثُرُ فيها الأمورُ التي ربما يُحتاجُ فيها إلي الذي لا يُؤْبَهُ له. وليسَ أحدٌ يَصغُرُ أمرُهُ إلاّ وقد يكونُ بعضُ الغَناءِ والمَنافِعِ علي قَدَرِهِ، حتي العُودُ المُلقي في الأرضِ ربما نَفَعَ فيأخُذُهُ الرَّجلُ فَيَحُكُّ به أذُنَهُ فيكونُ عُدَّتَهُ عند الحاجَةِ إليه
فلمَّا سَمِعَ الأسَدُ قَولَ دِمنَةَ أعجَبَهُ وطَمِعَ أن يكونَ عندَهُ نصيحةٌ ورأيٌ. فأقبَلَ علي مَن حَضَرَ فقالَ: إنَّ الرجلَ ذا النُّبلِ والمُروءَةِ يكونُ خامِلَ الذِّكرِ مُنخَفِضَ المنزلَةِ فتأبي منزلَتُهُ إلاَّ أن تَشُبَّ وترتَفِعَ كالشُّعلَةِ مِنَ النَّارِ يَضرِبُها.
ثم إنَّ دِمنَةَ استأنَسَ بالأسَدِ وخَلا به فقالَ له يومًا: رأيتُ الملِكَ قد أقامَ في مكانٍ واحدٍ لا يَبرَحُ منه خِلافًا لمألوفِهِ وهو، أعظَمَهُ اللهُ، منيعُ الجانِبِ نافِذُ الأمرِ آمِنُ السَّاحَةِ. فرأيتُ أن أتَطاوَلَ عليه بالاستفهامِ علي وجهِ النَّصيحَةِ، فإنَّ الأمورَ الخَفِيَّةَ لا يُظهِرُها إلاَّ البحثُ عنها، فإذا أُظهِرَتْ أُجِيلَتِ الفِكرَةُ فيها.
فبينما هما في هذا الحديثِ إذ خَارَ شَتْرَبَةُ خُوارًا شديدًا فَهَيَّجَ الأسَدَ وكَرِهَ أن يُخبِرَ دِمنَةَ بما نالَهُ. وعَلِمَ دِمنَةُ أنَّ ذلك الصَّوتَ قد أدخَلَ علي الأسَدِ رِيبَةً وهَيبَةً، فسألَهُ: هل رابَ الملِكَ سمَاعُ هذا الصَّوتِ? قالَ: لم يَرِبني شيءٌ سوي ذلك وهو الذي حَبَسَني هذه المُدَّةَ في مكاني. وقد صَحَّ عندي من طريقِ القِياسِ أنَّ جُثَّةَ صاحِبِ هذا الصَّوتِ المُنكَرِ الذي لم أسمَعهُ قَطُّ عظيمَةٌ لأنَّ صوتَهُ تابعٌ لبدنِهِ. فإن يكن كذلك فليسَ لنا معه قرارٌ ولا مُقامٌ. قالَ دِمنَةُ: ليسَ الملِكَ بحقيقٍ أن يَدَعَ مكانَهُ لأجلِ صوتٍ. فقد قالتِ العلماءُ: ليسَ من كلِّ الأصواتِ تَجِبُ الهَيبَةُ. قالَ الأسَدُ: وما مَثَلُ ذلك
مثل الثعلب والطبل
قالَ دِمنَةُ: زَعَموا أنَّ ثعلَبًا أتي أجَمَةً فيها طَبلٌ مُعَلَّقٌ علي شَجَرَةٍ وكُلَّما هَبَّتِ الرِّيحُ علي قُضبانِ تلك الشَّجَرَةِ حَرَّكَتها فَضَرَبَتِ الطَّبلَ فسُمِعَ له صوتٌ عظيمٌ باهِرٌ. فَتَوجَّهَ الثعلَبُ نحوه لأجلِ ما سَمِعَ من عَظيمِ صَوتِهِ. فلمَّا أتاهُ وَجَدَهُ ضخمًا فأيقَنَ في نَفْسِهِ بكثرَةِ الشَّحمِ واللَّحمِ. فعالَجَهُ حتي شَقَّهُ، فلمَّا رآهُ أجوَفَ لا شيء فيه قالَ: لا أدري لعلَّ أفسَلَ الأشياءِ أجهَرُها صوتًا وأعظَمُها جُثَّةً
وإنَّما ضَرَبتُ لك هذا المَثَلَ لتعلَمَ أنَّ هذا الصَّوتَ الذي راعَنا لو وَصَلْنا إليه لوجدناهُ أيسَرَ ممَّا في أَنْفُسِنا. فإن شاء الملِكُ بَعَثَني وأقامَ بمكانِهِ حتي آتِيَهُ بِبَيانِ هذا الصَّوتِ. فوافَقَ الأسَدُ قَولَهُ فأذِنَ له في الذَّهابِ نحو الصَّوتِ
فانطَلَقَ دِمنَةُ إلي المكانِ الذي فيه شَتْرَبَةُ. فلمَّا فَصَلَ دِمنَةُ من عندِ الأسَدِ فَكَّرَ الأسَدُ في أمرِهِ ونَدِمَ علي إرسالِ دِمنَةَ حيثُ أرسَلَهُ وقالَ في نفسِهِ: ما أصَبتُ في ائتِماني دِمنَةَ وإطلاعِهِ علي سِرِّي وقد كانَ ببابي مَطروحًا. فإنَّ الرجلَ الذي يَحضُرُ بابَ الملِكِ إذا كانَ قد أُطيلَتْ جَفوَتُهُ من غيرِ جُرمٍ كانَ منه أو كانَ مَبغِيًّا عليه عند سلطانِهِ. أو كانَ عندَهُ مَعروفًا بالشَّرِه والحِرصِ. أو كانَ قد أصابَهُ ضَرُّ وضَيقٌ فلم يَنعَشهُ . أو كانَ قد اجتَرَمَ جُرمًا فهو يَخافُ العُقوبَةَ منه. أو كانَ يرجو شيئًا يَضُرُّ الملِكَ وله منه نَفعٌ. أو يَخافُ في شيءٍ ممَّا يَنفَعُهُ ضَرًّا. أو كانَ لعدُوِّ الملِكِ سِلمًا ولسِلمِهِ حَربًا. أو كانَ قد حِيلَ بينه وبين ما في يديهِ مِنَ السُّلطانِ. أو باعَدَهُ. أو طَرَدَهُ. فليسَ السُّلطانُ بحقيقٍ أن يَعجَلَ في الاسترسالِ إلي هؤلاءِ والثِّقَةِ بهم والائتِمانِ لهم
وإنَّ دِمنَةَ داهِيَةٌ أريبٌ وقد كانَ ببابي مَطروحًا مَجفُوًّا. ولعلَّهُ قد احتَمَلَ عليَّ بذلك ضِغنًا ، ولعلَّ ذلك يَحمِلُهُ علي خيانَتي وإعانَةِ عَدُوِّي ونَقيصَتي عندَهُ، ولعلَّهُ أن يُصادِفَ صاحِبَ الصَّوتِ أقوي سلطانًا منّي فيَرغَبَ به عنّي ويَميلَ معه عليَّ. ولقد كانَ الواجِبُ أن أهجُمَ علي صاحِبِ هذا الصَّوتِ بنفسي. ولم يَزَلِ الأسَدُ يُحَدِّثُ نفسَهُ بأمثالِ ذلك حتي جَعَلَ يَمشي وينظُرُ إلي الطَّريقِ التي سارَ فيها دِمنَةُ. فلم يَمشِ غيرَ قليلٍ حتي بَصُرَ بدِمنَةَ مُقبِلاً نحوه فطابَتْ نفسُهُ بذلك وَرَجَعَ إلي مكانِهِ.
ودَخَلَ دِمنَةُ عليه فقالَ له الأسَدُ: ماذا صَنَعتَ وماذا رأيتَ? قالَ: رأيتُ ثَورًا وهو صاحِبُ الخُوارِ والصَّوتِ الذي سَمِعتَهُ. قالَ: فما قُوَّتُهُ? قالَ: لا شَوكَةَ له وقد دَنَوتُ منه وحاورتُهُ مُحاوَرَةَ الأكْفاء فلم يَستَطِعْ لي شيئًا
قالَ الأسَدُ: لا يَغُرَّنَّكَ ذلك منه ولا يَصغُرَنَّ عندكَ أمرُهُ، فإنَّ الرِّيحَ الشَّديدَةَ لا تَعْبَأُ بضعيفِ الحَشيشِ لكنَّها تَحطِمُ طِوالَ النَّخلِ وعَظيمَ الشَّجَرِ وتَقْلَعُ الدَّوْحَةَ العاتِيَةَ من مَوْضِعِها. قالَ دِمنَةُ: لا تَهابَنَّ أيُّها الملِكُ منه شيئًا ولا يَكبُرَنَّ عليكَ أمرُهُ فأنا علي ضعفي آتيكَ به فيكونُ لك عبدًا سامِعًا مُطيعًا. قالَ الأسَدُ: دونَكَ ما بدا لك. وقد تَعَلَّقَ أمَلُهُ به.
فانطَلَقَ دِمنَةُ إلي الثَّورِ فقالَ له غَيرَ هائِبٍ ولا مُكتَرِثٍ: إنَّ الأسَدَ أرسَلَني إليكَ لآتِيَهُ بك وأمَرَني إن أنت عَجِلتَ إليه أن أُؤَمِّنَكَ علي ما سَلَفَ من ذَنبِكَ في التَّأخُّرِ عنه وتَركِكَ لِقاءهُ. وإن أنت تأخَّرتَ وأحجَمتَ أن أُعَجِّلَ الرَّجعَةَ إليه فأُخبِرَهُ. قالَ له شَتْرَبَةُ: ومَن هذا الأسَدُ الذي أرسَلَكَ إليَّ وأين هو? وما حالُهُ?
قالَ دِمنَةُ: هو ملِكُ السِّباعِ وهذه الأرضُ التي نحن عليها له وهو بمكانِ كذا ومعه جُندٌ كثيرٌ من جِنسِهِ
فَرُعِبَ شَتْرَبَةُ من ذِكرِ الأسَدِ والسِّباعِ وقالَ: إن أنت جَعَلتَ ليَ الأمانَ علي نفسي أقبَلتُ معكَ إليه. فأعطاهُ دِمنَةُ مِنَ الأمانِ ما وَثِقَ به ثم أقبَلَ والثَّورُ معه حتي دَخَلا علي الأسَدِ. فأحسَنَ الأسَدُ إلي الثَّورِ وقَرَّبَهُ وقالَ له:
متي قَدِمتَ هذه البلادَ وما أقدَمَكَها ? فقَصَّ شَتْرَبَةُ عليه قِصَّتَهُ. فقالَ له الأسَدُ: اصحَبني والزَمْني فإني مُكرِمُكَ ومُحسِنٌ إليكَ. فَدَعا له الثَّورُ وأثني عليه وانصَرَفَ وقد أُعجِبَ به الأسَدُ إعجابًا شديدًا لِما ظَهَرَ له من عَقلِهِ وأدَبِهِ. ثم إنَّه قَرَّبَهُ وأكرَمَهُ وأنِسَ به وائتَمَنَهُ علي أسرارِهِ وشاوَرَهُ في أمرِهِ ولم تَزِدْهُ الأيامُ إلاَّ عُجبًا به ورغبةً فيه وتقريبًا له حتي صارَ أخَصَّ أصحابِهِ عندَهُ منزلةً.
فلمَّا رأي دِمنَةُ أنَّ الثَّورَ قدِ اختَصَّ بالأسَدِ دونَهُ ودونَ أصحابِهِ وأنَّه قد صارَ صاحِبَ رأيِهِ وخَلَواتِهِ ولَهوِهِ حَسَدَهُ حَسَدًا عظيمًا وبَلَغَ منه غَيظُهُ كلَّ مَبلَغٍ. فشَكا ذلك إلي أخيهِ كَليلَةَ وقالَ له: ألا تَعجَبُ يا أخي من عَجزِ رأيي وصُنعي بنفسي ونَظَري فيما يَنفَعُ الأسَدَ وأغفلتُ نَفعَ نفسي حتي جَلَبت إلي الأسَدِ ثَورًا غَلَبَني علي منزلَتي!
قالَ كَليلَةُ: أخبِرني عن رأيِكَ وما تُريدُ أن تَعزِمَ عليه في ذلك
قالَ دِمنَةُ: أمَّا أنا فلستُ اليومَ أرجو أن تَزدادَ منزلَتي عند الأسَدِ فوقَ ما كانت عليه. ولكن ألتَمِسُ أن أعودَ إلي ما كانت حالي عليه. فإنَّ أمورًا ثلاثَةً العاقِلُ جَديرٌ بالنَّظَرِ فيها والاحتيالِ لها بجُهدِهِ. منها النَّظَرُ فيما مَضي مِنَ الضَّرِّ والنَّفعِ، أن يَحتَرِسَ مِنَ الضَّرِّ الذي أصابَهُ فيما سَلَفَ لئِلاَّ يَعودَ إلي ذلك الضَّرِّ، ويَلتَمِسَ النَّفعَ الذي مَضي ويَحتالَ لمُعاوَدَتِهِ. ومنها النَّظَرُ فيما هو مُقيمٌ فيه مِنَ المنافِعِ والمَضارِّ. والاستيثاق ممَّا يَنفَعُ، والهَرَبُ ممَّا يَضُرُّ. ومنها النَّظَرُ في مُستَقبَلِ ما يَرجو من قِبَلِ النَّفعِ وما يَخافُ من قِبَلِ الضَّرِّ لِيَستَتِمَّ ما يَرجو ويَتَوَقَّي ما يَخافُ بجُهدِهِ.
وإني لمَّا نَظَرتُ في الأمرِ الذي به أرجو أن تَعودَ منزلَتي وما غُلِبتُ عليه ممَّا كنتُ فيه لم أجِدْ حِيلَةً ولا وَجهًا إلاَّ الاحتِيالَ لآكِلِ العُشبِ هذا حتي أُفَرِّقَ بينه وبين الحياةِ، فإنَّه إن فارَقَ الأسَدَ عادَتْ لي منزلَتي. ولعلَّ ذلك يكونُ خيرًا للأسَدِ. فإنَّ إفراطَهُ في تَقريبِ الثَّورِ خَليقٌ أن يَشينَهُ ويَضُرَّهُ في أمرِهِ
قالَ كَليلَةُ: ما أري علي الأسَدِ في رأيِهِ في الثَّورِ ومكانِهِ منه ومنزلتِهِ عندَهُ شيئًا ولا شرًّا
قالَ دِمنَةُ: إنَّما يُؤْتي السُّلطانُ ويَفسُدُ أمرُهُ من قِبَلِ سِتَّةِ أشياءَ: الحِرمانِ والفتنَةِ والهوي والفَظاظَةِ والزَّمانِ والخُرقِ. فأمَّا الحِرمَانُ فأن يُحرَمَ من صالحي الأعوانِ والنُّصَحاءِ والسَّاسَةِ من أهلِ الرأيِ والنَّجدَةِ والأمانَةِ، وأن يكونَ مَنْ حَولَهُ فاسِدًا مانِعًا من وُصولِ أمورِ المُلكِ إليه، وأن يَحرِمَ هو أهلَ النَّصيحَةِ والصَّلاحِ من عنايتِهِ والتِفاتِهِ إليهم. وأمَّا الفِتنَةُ فهي تُحارِبُ رعيَّتَهُ ووقوعُ الخِلافِ والنِّزاعِ بينهم. وأمَّا الهوي فالإغرامُ بالنِّساءِ والحديثِ واللَّهوِ والشَّرابِ والصَّيدِ وما أشبَهَ ذلك. وأمَّا الفَظاظَةُ فهي إفراطُ الشِّدَّةِ حتي يَجمَحَ اللِّسانُ بالشَّتمِ واليَدُ بالبَطشِ في غيرِ مَوضِعِهِما. وأمَّا الزَّمانُ فهو ما يُصيبُ الناسَ مِنَ السِّنينَ مِنَ المَوتاَنِ ونَقصِ الثَّمَراتِ والغَزَواتِ وأشباهِ ذلك. وأمَّا الخُرقُ فإعمالُ الشِّدَّةِ في مَوضِعِ اللّينِ، واللّينِ في مَوضِعِ الشِّدَّةِ. وإنَّ الأسَدَ قد أُغرِمَ بالثَّورِ إغرامًا شديدًا هو الذي ذَكَرتُ لكَ أنَّه خَليقٌ أن يَشينَهُ ويَضُرَّهُ في أمرِهِ.
قالَ كَليلَةُ: وكيفَ تُطيقُ الثَّورَ وهو أشَدُّ منكَ وأكرَمُ علي الأسَدِ منكَ وأكثرُ أعوانًا?
قال دِمنَةُ: لا تَنْظُرْ إلي صِغَري وضُعفي، فإنَّ الأمورَ ليست بالضُّعفِ ولا القُوَّةِ ولا الصِّغَرِ ولا الكِبَرِ في الجُثَّةِ. فَرُبَّ صغيرٍ ضَعيفٍ قد بَلَغَ بحِيلَتِهِ ودَهائِهِ ورأيِهِ ما يَعجِزُ عنه كثيرٌ مِنَ الأقوياء. أوَلَمْ يَبلُغكَ أنَّ غُرابًا ضَعيفًا احتالَ لأسوَدَ حتي قَتَلَهُ?
قالَ كَليلَةُ: وكيفَ كانَ ذلكَ?
كيفية المشاركة
♫ LAdY MEmo ♫ ll~عضوة مدهشه~ll
۾ـڒآﭹـے « : my mss« : معلومـات عنـي « : طـآلبـة / ثنـوي ۾ـن ۈيڹ ξـږفتينآ « : | محركـآت البحـث مشآركــے «: : 4256 تقيـمـاتـي « : 22 نقاطي« : 5542 أوسمتي« : لم احصل على وسام بعد ...
موضوع: رد: القرد والنجار قصة لا تفوتكم بس اعرف انكم مشغولون لكن شوفو الإثنين ديسمبر 13, 2010 4:36 am
ما فهمتها مرة بس يسلمووووووو قلبووو
القرد والنجار قصة لا تفوتكم بس اعرف انكم مشغولون لكن شوفو